ازمة الفكر الحديث وواقعنا المعاصر
___________________________________________
بقلم / عبد المجيد زيدان
ازمة الفكر الحديث وواقعنا المعاصر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
ان العقل خلق وفطر على فطرة التعلم والبحث والادراك، وهو بهذا كباقي اعضاء الجسم يحتاج الى تغذية وتطوير وتنمية، بالاضافة الى ان العقل لا ينمو ويتطور باي اسلوب او باي فكر او علم دون انتقاء وتتميز لهذا التعلم، فحين يزخر العقل بالافكار السليمة الصحيحة فانه يضيف درجة الى سلم ارتقائه وصعوده، وبنفس الطريقة فانه حين يمتلئ بالافكار السيئة فانه مع كل فكرة سيئة يضيفها فكأنما يدق مسمارا في نعشه ويهوي دركة الى الاسفل.
واذا ما تتبعنا العقل الفلسطيني فاننا نلحظ فروقات كثيرة تعتمد على مؤثرات مختلفة من جعب مختلفة، فالعقل الفلسطيني قد دخل مداخل مهمة جدا وسلك منحنيات مختلفة خاصة في الفترة الاخيرة المتمثلة بالخمسين عاما الاخيرة من حياته، ليستقبل افكارا متعددة ومختلفة المنابع، فمن فكر اسلامي الى شيوعي الى علماني الى راسمالي الى غير ذلك، فكل تلك الافكار كانت هي الصياغة المنتوعة التي شكلت العقل الفلسطيني بكل طبقاته وتصنيفاته، ومع دخول هذه التوجهات الفكرية الى فلسطين دخلت معها الصراعات الفكرية الملازمة لأي وجود فكري منتوع في أي بلد كان، وشهدت الساحة الفلسطينية هذه الصراعات مع مزجها بافكار المقاومة والتحرير، او بافكار التسليم والرضوخ، افكار الافراط والتفريط وافكار الوسط.
واليوم بعد ان عايشنا هذه التوجهات وصراعاتها نشهد غلبة لفكر دون اخر في اذهان البعض والعكس في اذهان آخرين حتى بات الامر محسوما لدى العامة، لينفصل كل فكر بما جاء به ويستقل بذاته عن الاخر، فنجد الاسلامي البحت المناصر للتيار الاسلامي بكل اطروحاته، والعلماني ايضا بكل اصروحاته واليساري والشيوعي وما الى ذلك، وكانت الاوضاع السياسية ومراحل التقدم في الصراع مع العدو الصهيوني ومدى نجاح كل فكر في اثبات نفسه من اكثر المؤثرات والعوامل التي رفعت فكرا فوق فكر وجعلت فكرا دون آخر.
واذا ما تحدثنا عن الوضع الفكري الراهن هذه الايام نجد انه يتبع نفس الترنيمة التي نشأ عليها من البداية وبنفس التكوين الوجودي ففكر قد اضمحل ليكاد يصل الى التلاشي كالفكر الشيوعي، وفكر قد نما وبسرعة ملفتة للانتباه حتى وصل الى شبه الذروة في النجاح والتفوق كفكر الاخوان المسلمين المتمثل بحركة حماس خاصة حين عرض نفسه وقدم اطروحاته للواقع الفلسطيني في الانتخابات التشريعية عام 2006، لنجد ان هذه الحركة قد تفوقت وحصلت على الاغلبية في نتائج هذه الانتخابات، وهذا ما يدل على مدى توسع الفكر وانتشاره ومدى قبوله واستحسانه لدى عموم اهل فلسطين، في حين نجد فكرا قد انكسر بعد عنفوان وهبط بعد انتشار وتوسع كالفكر الذي تبنته حركة فتح، وحتى ان ارباب هذا الفكر نفسه قد ملوه وهجروه، لتجد الكثير منهم يصوت لصالح الفكر الاسلامي في انتخابات التشريعي.
اليوم وبعد الانقسام الفلسطيني الحاصل نلاحظ تغير المنحنى بصورة متسارعة بشكل ايضا لافت لانتباه، لتجد ان قطاع غزة قد ازدهر بفكر حركة حماس الاسلامي المقاوم المحافظ على الثوابت بالاضافة الى تلك التنظيمات التي تترجم الى جانب حماس افكاراها بشكل عملي بسلوك خط المقاومة والثبات، ولنجد ان واقع الضفة الغربية المسيطر عليه من قبل حركة فتح، يعج برايات التنازل ويلوح بافكار الانهزام والرجعية والتخاذل، فيشبع المجتمع الضفاوي بفكره المتخاذل.
ونحن حين نتحدث عن هذه الافكار فاننا ندرك مدى سماح كل فكر للآخر بنشر افكاره في ـ ان جاز التعبير ـ قلعة الآخر، فتجد ان قتل الفكر الآخر يستخدم كأسلوب لنشر الفكر المتبنى، ولا اعتقد اليوم ان عاقل يعيش في الضفة الغربية ينكر ان الفكر الاسلامي في الضفة بات من المحرمات الممنوعات، فلا حركة حماس تنشر فكرها ولا مراكزها وانديتها ولا أي تشكيل من تشكيلاتها، حتى ان المسجد والذي يعتبر المنبر الاول لنشر الفكر الاسلامي في الداخل بات ممنوعا ولا يسمح له البتة، نحن ندرك ان الحركة قد تكون غير قادة على اداء واجبها بطريقة كاملة في الضفة، ولكننا لا ننكر انها قادرة على ايجاد بدائل ولو بشكل بسيط، ولكن لغياب القيادة الواعية المدركة لوضع المرحلة والافراد العاملين فاننا نلاحظ موتا للفكر الاسلامي في الضفة بشكل عام بين الناس، وبشكل خاص في مجتمع الشباب الذي ينشأ على انغام فكر الفلسطيني الجديد الذي يريده دايتون وخليفته مولر ومن ورائهم.
اننا في هذه المرحلة الخطيرة من الصراع الفكري الفلسطيني بحاجة الى أي جهد بحاجة الى أي يد بحاجة الى أي قطرة دم لنقف جنودا للفكر الاسلامي مدافعين عنه في وجه الافكار والتصورات الاخرى التي لا تغفل عن ادنى جزئية تهدم الفكر الاسلامي الا وتأتي فيها جهدا جهيدا، نحن اليوم بحاجة اكثر من أي وقت للقيادات التي تشكل قدوات تتبعها الجماهير والافراد، ولو طرحنا مثالا لذلك تلك الحملة التي قادها بعض الشباب في الضفة والقاضية برفض الخضوع لطلبات الاجهزة الامنية بالحضور الى مقراتها، فاني ارفض هذه الحملة جملة وتفصيلا، وانا واحد من الاشخاص الذين طلبتهم الاجهزة الامنية وقد لبيت، ليس خوفا من عواقب الرفض، ولكن لإدراكي ان الرفض لا جدوى له ان كان مني بصورة شخصية، فاني بهذه الصورة اضع نفسي في دائرة الأذية دون فائدة، ولكن تكون الجدوى حين يكون القيادي قدوة لغيره فالجماهير تتبعه، فمعظم بل اكاد اقول كل القيادات رضخت لطلبات الاجهزة بالحضور الى مقراتها، فما حال الافراد الحائرين الا اقتداء بالقادة، المهم والخلاصة تقول اننا اليوم نعيش ازمة ضعف قيادة ضفاوية تقود الجموع وقبلها الافراد الحائرين نحو الصواب في الطريق الصحيح، ليعود الفكر نيرا منتشرا، فلم ينتشر الفكر في الضفة الا باوقات الافراد بعرق المخلصين بدماء القادة، بدماء يحيى عياش وجمال منصور وجمال سليم وقيس عدوان عبد الله القواسمي ومحيي الدين الشريف ومن قبلهم عز الدين القسام الذي روى بدمة احراج يعبد، وافكار عبد الله عزام ابن سيلة الظهر، بحياة جمال ابو الهيجا وحسن يوسف، هذه هي التضحيات التي تصنع الوجود.
واليوم مع الانطلاقة الثالثة والعشرين لثورة الفكر الاسلامي، فانه حق علينا ان نجدد البيعة والهمة، ان نجدد صيحات البذل والعطاء لنقف من جديد حماة لهذه الارض، مدافعين عن كرامتها، رافعين لراية التوحيد فوق رباها مرددين حدائنا القديم الجديد: الله غايتنا الرسول قدوتنا القرآن دستورنا الجهاد سبيلنا والموت في سبيل الله اسمى امامنينا، ولكن عزائنا رجال ثبتوا وقد عاهدوا الله على درب ذات الشوكة ينتظرون احدى الحسنيين، هم قادة وافراد، ونسأل الله ان يعودوا الى ادراكهم الذي يطلب منهم، ونسأل الله ان يوفقهم الى كل خير حتى يكونوا شموعا تضيئ لنا عتمة الطريق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق