الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

دروس من الكرمل


دروس من الكرمل
___________


بقلم: الشيخ منير ابو الهيجاء / اسطنبول

ما أن تطل بهامتك من اي شرفة من شرفات بيوت عين حوض, التي يحتضنها جبل الكرمل بشموخه, وتتربع هي بحنو ورفق ودلال على قمة من قممه المزهوة, حتى ترى جبالاً خلابة, وطبيعة ساحرة, واشجارا ألفافا, وفي الافق زرقة البحر المتوسط, وفي الاعلى صفاء السماء, وتشم نسيما عليلا, ولا يؤذي اذنيك دوي ولا صخب, وحينها تقول: حقاً ان الكرمل هو سويسرا هذه البلاد.

فنحن نحب تراب الكرمل, نحب اشجاره ونحب بحره وسماءه لاننا ننتمي الى تلك البقعة المباركة من بلادنا, فجبل الكرمل منا ونحن منه, يحبنا ونحبه.

وكم آلمتني تلك النيران التي سلبت من الكرمل ذاك التاج الذي كُلل به جبينه, وانفرط ذاك العقد الذي زُين به عنقه, وحولته الى صورة عجوز شمطاء, سوداء, كئيبة, كأنه ليس الكرمل الذي نعرفه ويعرفنا.

وكم آلمني صور تلك البيوت المحترقة في القرى المحيطة بنا, وما ذلك الا لدافع الانسانية, ومفهوم الاسلام الذي يستقر في اعماق قلوبنا, فنحن المسلمون نتألم عند موت انسان بشكل مفجع -كائنا من كان - او حرق منزله, او ضياع وثائقه الشخصية, او حتى صوره العائلية, ورسومات اطفاله وذكرياتهم ... نعم نتألم نتيجة للجانب الانساني والاسلامي الذي يعمر قلوبنا ويدغدغ مشاعرنا واحاسيسنا.

ولقد بقيت لساعات طوال ومن بعيد, من اسطنبول عاصمة الخلافة لقرون طوال, على اتصال مع اهلي في عين حوض عبر النت, خطوة بخطوة, متابعا الصور الفظيعة التي عرضتها الشاشات الصغيرة, ومتابعا تحاليل الصحفيين, ورجال الاعلام وغيرهم, وسمعت البكاء والعويل والالم والاسف الذي ابداه الخاصة والعامة من رجال الحكم والساسة والاعلام وغيرهم, على اطلال بيت قد تصدعت جدرانه او هوى سقفه واحترقت آنيته, وشرد ساكنوه ...

وللتاريخ اقول: حقاً ان تلك الصور تهز ضمير كل انسان مؤمن عاقل, وتهز مشاعره, ولكني في نفس الوقت بقيت حائرا امام العديد من الاسئلة التي جالت في خاطري وزاحمتني دفعة واحدة ودون استئذان!

فأين ذلك الالم ؟ وأين تلك المشاعر؟ واين ذكريات الاطفال ؟ واين العواطف الانسانية من هؤلاء عندما يقومون بجرافات حقدهم بهدم بيوت الفلسطينيين؟ او حرق مزروعاتهم واشجارهم وسحق ارزاقهم من قبل سوائب المستوطنين ؟

واين مشاعرهم عندما كانت الطائرات الحربية تقتل أحلام اطفال غزة وتسحق شيوخهم ونساءهم, وتهدم بيوتهم, وحاضرهم ومستقبلهم, وتطمس ذكرياتهم؟

أم أنهم لم يشاهدوا اطفالاً يبحثون عن لعبهم تحت ركام بيوتهم؟ وينفضون الغبارعن دفاترهم وكتبهم المدرسية تحت قطع الاسمنت والطوب من ركام بيوتهم؟

أم أن الفلسطينيين لا بواكي لهم؟ ام انهم لا يحزنون, لا يبكون ولا يبتسمون, لا يتألمون ولا يتأملون؟ أم أنهم لا حق لهم في لمس ثرى بلادهم وعبق تاريخهم عجبا عجبا !!!!

فيا ترى هل سنرى بعد اليوم الجرافات الظالمة تتراجع عن سياسة هدم بيوتنا, وتجريف حقولنا, وحرق زيتوننا, لأعذارسخيفة؟

أم أن هذا الدرس من دروس مدرسة الحكومة الاسرائيلية لن يتم دراسته ولو في حصص الخواطر, أم لعله قد تغيب مدرّس هذه الحصة والى الابد؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق