الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

توظيف الدين في السياسة




توظيف الدين في السياسة
أحمد أبورتيمة
وكأنها ديباجة ملزمة أن تستهل الفصائل السياسية دعوة الناس إلى فعالياتها المختلفة بالآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"..وكأن الفرق بين من يشارك في هذه الفعاليات ومن لا يشارك كالفرق بين الحي والميت..
هل اطلعت هذه الفصائل الغيب لتعلم أن النشاط الذي تدعو إليه هو مما يحيي الناس، و أليس من الافتراء على الله ورسوله أن ننصب أنفسنا لنكون ناطقين باسمهم، فننسب كلامنا إليهم..
إن الله ورسوله لا يدعوان إلا إلى حق وخير، أما أنشطة الأحزاب والجماعات فهي خليط من الحق والباطل والأهواء والتعصب الحزبي..ومن الخطورة الشديدة أن نقدم أنفسنا للناس وكأننا نحن الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أو أن نجعل أنفسنا التطبيق النموذجي للإسلام، لأن هذا من الافتراء على الله "ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً"..
إن خطورة الخلط بين التعصب الحزبي، وبين الدين هو أن ننظر إليهما نظرةً واحدةً فنضع المقدس والمدنس، والإلهي والبشري في سلة واحدة، ونجعل كل ما هو حزبي فهو من الدين بالضرورة، وكل نشاط من أنشطة الجماعة هو لون من ألوان العبادة، وما دامت هذه هي نظرتنا تصبح المساجد منابر لبث الأحقاد والفرقة والتعصب الحزبي والسب والشتيمة، بزعم أن الانتماء لهذا الحزب هو عين الانتماء للدين، وأن أعداء الحزب أعداء الدين، وتصبح مآذنها منبراً يذكر فيها اسم الحزب من دون الله ويدعى من خلالها إلى نشاطاته ومسيراته..
إن احتكار الدين خطير ومدمر لأن الحزب مهما كان على درجة من الهوية الإسلامية فإنه يظل جهداً بشرياً ناقصاً، ولا يجوز أن يضفي عليه أصحابه قداسة الدين وكماله..
ربما يظن بادي الرأي أن حديثي هذا يصب في نفس اتجاه من يطالبون بفصل الدين عن السياسة وقصر المساجد على قضايا الأخلاق الفردية والأحكام الجزئية..
والفرق بين الرأيين كبير، فأنا لا أدعو إلى فصل الدين عن السياسة، ولكنني أدعو إلى فصل الدين عن الأهواء البشرية والعصبيات الحزبية..
إنني أؤمن بأن الدين هو منهاج شامل لتنظيم شئون الحياة كلها، فالسياسة والاقتصاد والتربية والحضارة كلها من صميم الدين بل هي جوهره، ولكن أي سياسة هي التي من الدين؟ إنها السياسة التي ترعى مصالح مجموع الناس، ولا تقتصر على المصالح الحزبية المحدودة، فتذكر الناس بحقوقهم وأوطانهم وتدعوهم إلى رص الصفوف في مواجهة أعدائهم، وتحرضهم على الجهاد في سبيل الحق، وتنفرهم من القعود والتخاذل عن معالي الأمور، وتزرع فيهم قيم الإيجابية والفاعلية، هذا هو المعنى الواسع للسياسة التي ترعى شئون الناس في معاشهم ومعادهم..
إن الإسلام لا يقر هذه التقسيمات التي ابتدعها الناس بأن هذا دين وهذه سياسة، فكل دعوة للخير والعدل والمصلحة الحقيقية هي جزء من الدين، وبهذا المعنى فالإنسان ليس مخيراً بأن يتحدث أو لا يتحدث في السياسة في المساجد بل هي فريضة إلهية أن يصدع بكلمة الحق من على منبر المسجد، فيقول للظالم أنت ظالم، وينهى عن الفساد والمنكر، وينتصر للمظلوم..هذا هو الدور الاجتماعي للمساجد أن يؤمر فيها بالمعروف، وإن كان هذا المعروف في نظر الناس سياسةً، وأن ينهى عن المنكر، وأن يحرض الناس على الخير، ولا ضير بأن يدعو الناس من المسجد إلى الثورة..المهم في كل هذا أن تكون الدعوة منطلقةً من الشعور العام بالمسئولية، وألا تكون بدافع العصبية الحزبية، وألا يكون مرتهناً لتوجيهات من أطراف سياسية، بل يتناول القضايا التي تهم الناس في مجموعهم، فينتقد الظلم من حيث كونه ظلماً ولو على حزبه، وليس بانتقائية..
إذا كان متفهماً في مرحلة زمنية خلت أن تلجأ الجماعات الإسلامية إلى المساجد للتعبير عن أفكارها ومواقفها الحزبية في ظل انعدام المنابر البديلة، فإن الواقع قد تغير اليوم، فهناك الفضائيات والمواقع الالكترونية والصحف والمرافق العامة لإقامة الأنشطة، فلم يعد المبرر قائماً لإغراق المساجد بالبيانات والإعلانات والأعلام وصور الشهداء، واستعمال مكبراتها للدعوة إلى الأنشطة، وإقامة الاحتفالات الحزبية فيها، وما أجمل أن نعيد للمساجد سكينتها ووقارها فيدخل المرء إلى بيت الله وهو متجرد من صخب الحياة وضجيجها ويستشعر أن هناك فسحةً في الحياة للخشوع والمناجاة..
أرجو أن تصل كلماتي هذه إلى أولي الأمر وأن يتخذ قرار عملي بتحييد المساجد عن الأنشطة الحزبية، وأن نستثمرها لتوعية الناس وتفقيههم في أمور دينهم ودنياهم..
"وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً"..
والله أعلى وأعلم..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق