تغيير وظيفة السلطة بدلا من حلها .. د.إبراهيم أبراش
إن كان من المشروع والمبرر التفكير بحل السلطة إلا أن حلها لن يحل أزمة النظام السياسي الفلسطيني ،والبديل هو تغيير وظيفة السلطة وتحريرها من الإملاءات الخارجية.لا غرو أن السلطة الفلسطينية فقدت بريقها الأول وباتت بعض آليات عملها وخصوصا التنسيق الأمني مع الإسرائيليين مبررا لتوجيه النقد والشك حولها بل وحول جدوى وجودها وخصوصا أن إسرائيل لم تقابل إجراءات السلطة الأمنية التي توفر لها ولمستوطناتها الأمن بإجراءات إسرائيلية مقابلة توفر الأمن للفلسطينيين في حياتهم ومعيشتهم وممتلكاتهم وحريتهم في التنقل ،وإذا أُضيف لذلك تعثر مسار التسوية الذي ارتبط وجود السلطة بوجوده بل وصوله لطريق مسدود ،وتحول السلطة لهدف بحد ذاته يبرر القتال الداخلي عليها وحولها ،فإن كل ذلك شكل الأرضية والدافعية للمطالبين بالنظر في مبرر وجود السلطة بل المطالبة بحلها من البعض. ولكن ... هل حل السلطة سُيخرِج النظام السياسي و القضية الوطنية من مأزقهما ؟هل الخلل في الحالة الفلسطينية يكمن فقط في السلطة أم إنه يتجذر في المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية كلها؟ نعتقد أن الخلل لا يكمن فقط بأداء السلطة بل هو خلل بنيوي ووظيفي،والسلطة مظهر من مظاهر هذا الخلل وإفراز متأخر له.اختزال المأزق الوطني بالسلطة قد يصرف الأنظار عن التفكير العقلاني بواقعنا وبالأسباب الحقيقية والإستراتيجية لأزمة ومأزق النظام السياسي الفلسطيني برمته ،وبصرف النظر عن الواقع المأساوي للأحزاب والحركات السياسية ،ويصرف النظر عن واقع مؤسسات مجتمع مدني باتت كالحقن المخدرة للشعب وخصوصا للشباب والمثقفين ،تبعدهم عن ساحة الاشتباك المباشر مع العدو .إن كان لا بد من حل السلطة فهذا يجب أن يكون في إطار توافق وطني على إعادة بناء استراتيجي يشمل السلطة ومنظمة التحرير والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني .
أي حديث جاد عن حل السلطة الفلسطينية يجب أن لا يكون مدفوعا بحسابات حزبية ضيقة وألا يكون ردة فعل انفعالية وعاطفية أو مجرد ورقة ضغط في العملية التفاوضية المتعثرة حيث الخصم يعرف حقيقة أوضاعنا الداخلية ومحدودية قدرة القيادة السياسية على التفرد باتخاذ قرارات مصيرية،ففي ظل واقع الانقسام وتدخل الأجندة الخارجية وتشابكات القضية مع محيطها الإقليمي والدولي يجب دراسة كل خطوة بتأن وحذر .التفكير بحل السلطة مشروع ومبرر ولكن كل توجه عملي في هذا الاتجاه يجب أن يكون مسبوقا بخلق البديل الوطني الذي سيملأ فراغ حل السلطة ،وعليه التعامل مع قضيتين :الأولى إجرائية تتعلق بالجهة ذات الاختصاص بحل السلطة ،والثانية تتعلق بتداعيات حل السلطة أو ما بعد حلها.
أولا :من ناحية إجرائية
صحيح أن تأسيس السلطة كان بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة من 10-12 /10/1993 أي بعد شهر من توقيع اتفاق إعلان المبادئ ،حيث نص القرار على "تكلف اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وعدد من الداخل والخارج".إذن من ناحية نظرية يمكن القول بان من حق منظمة التحرير التي أسست السلطة أن تصدر قرارا بإلغائها ،إلا أن الواقع سيجعل هذه القراءة ساذجة لعدة أسباب يمكن اختصارها بأن منظمة التحرير التي أقامت السلطة ليست منظمة التحرير اليوم وان السلطة التي قامت عام 1994 ليست هي السلطة اليوم وإن الواقع الفلسطيني والإقليمي والدولي اليوم ليس هو الذي كان عند تأسيس السلطة.كانت منظمة التحرير آنذاك بعافيتها نسبيا وكانت تعتبر مؤسسة المؤسسات الفلسطينية وكانت مرجعية كل القوى والفصائل – ما عدا حماس والجهاد – أما اليوم فقد تراجعت مكانة المنظمة وقدرتها التقريرية لصالح السلطة ، تحولت السلطة اليوم إلى فرانكشتاين أو المخلوق الذي تغلب على خالقه ، تشعبت السلطة وتضخمت مؤسساتيا ومن حيث الصلاحيات والارتباطات الداخلية والخارجية بحيث باتت عصية على الإلغاء بمجرد صدور قرار من المنظمة بحلها،صحيح أن بداية السلطة ارتبط بالتسوية وكان وجودها واستمرارها مرتهن بمسار التسوية الذي كان مفترض أن يُنجز خلال خمس سنين وبالتالي يصبح مشروعا التفكير بحلها بعد وصول التسوية لطريق مسدود بعد إعلان واشنطن رسميا عجزها عن إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان والعودة لطاولة المفاوضات ،ولكن السلطة خرجت عن سياقها الأول ولم يعد وجودها واستمرارها مرتبط بما تأول إليه المفاوضات ،وباتت تقوم بوظائف اجتماعية واقتصادية ترتبط بها حياة قطاع كبير من الشعب ،وبشكل ممنهج ومخطط تم إحراق جسور العودة لما قبل تأسيس السلطة ،الأمر الذي يتطلب جهودا مضنية لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل وجود السلطة.العودة لوضع ما قبل وجود السلطة يحتاج لأكثر من قرار بحل السلطة ،يحتاج لاستنهاض الحالة الوطنية والثورية ويتطلب إعادة بناء كثير من العلاقات الداخلية والخارجية التي انقطعت بسبب وجود السلطة ،هذه أمور ليست مستحيلة ولكنها كما قلنا تحتاج لجهود وطنية مشتركة.
يستطيع الرئيس أبو مازن تغيير بعض وزراء الحكومة ولكن من الصعب الجزم بأنه يرغب بالفعل بحل السلطة أو يستطيع حلها بقرار منفرد منه ،يستطيع أن يصدر قرارا بذلك أو يوحى للجنة التنفيذية بإصدار هذا القرار ،ولكن لا ضمانة بأن القرار سيُنَفَذ على الأرض حيث قوى متعددة مستفيدة من وجود السلطة ومعنية باستمرارها ،وإسرائيل ليست الوحيدة في هذه السياق. ولنكن أكثر صراحة ،فإن مرجعية السلطة القائمة اليوم في الضفة ليست منظمة التحرير.السلطة القائمة اليوم أصبحت مؤسسة قائمة بذاتها مدعومة بقوى دولية أكثر مما هي مؤسسة فلسطينية خالصة خاضعة لقرار وطني فلسطيني. أيضا فإن قرارا من الرئيس أو المنظمة بحل السلطة لن ينسحب على السلطة القائمة في غزة و سيقتصر على السلطة في الضفة،حيث السلطة القائمة في غزة لا تعترف بأنها نتاج اتفاقات أوسلو ولا تعترف بأن منظمة التحرير مرجعيتها كما أنها لا تعتمد كليا في تمويلها على الجهات المانحة.إذا ما تم حل السلطة في الضفة دون سلطة غزة فإن السلطة القائمة في غزة ستقدم نفسها بديلا للسلطة الوطنية وستتصرف باعتبارها السلطة الوطنية الوحيدة القائمة على أرض فلسطينية (محررة ) وقد يساعد ذلك على تمرير مخطط الدولة ذات الحدود المؤقتة وتمرير ما كان يهدف إليه شارون من وراء انسحابه من غزة عام 2005.
ثانيا :التداعيات
أمر جيد أن يؤدي حل السلطة لعودة الأمور لوضع شعب خاضع للاحتلال الإسرائيلي وتتحمل إسرائيل كامل مسؤوليتها عن نهجها الاستعماري لأن هذا سيكشف زيف السلام وسيضع إسرائيل وجها لوجه أمام المنتظم الدولي وقراراته الواضحة التي عملت تسوية واشنطن على تجاهلها وأهمها حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي وقرار عودة اللاجئين وقرار التقسيم وبأن الضفة وغزة أراضي محتلة.ولكن هل حل السلطة سيؤدي لذلك تلقائيا و من سيملأ فراغ غياب السلطة ومؤسساتها؟ قبل حل السلطة يجب التفكير بمن سيحل محلها،ونخشى أن لا تقوم إسرائيل بإعادة احتلال كامل للضفة في هذه المرحلة بل ستلجأ إلى ضم بعض مناطق الضفة وتنصيب أشخاص بدلا من حكومة السلطة ليقوموا بمهام السلطة على ما سيتبقى من الأرض وهي لن تعدم مثل هؤلاء ،وهناك خشية أن تتحول كل مدينة وقرية فلسطينية خارج نطاق السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي إلى كانتون تسيطر عليه إحدى الجماعات الفلسطينية المسلحة ،وإسرائيل ستعزز مثل هكذا وضع .
أيضا سيطرح موضوع الخدمات التي تقدمها السلطة ومن سيقوم بها ،خصوصا الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية ،هل ستتولاها منظمات دولية؟ أم مؤسسات أهلية ؟أم ستتكلف الأردن بها تمهيدا لدور سياسي قادم؟ وما مصير أكثر من 170 ألف موظف مدني وعسكري غالبيتهم يعتاش من وراء راتب السلطة ؟ وهل ستستمر الدول المانحة بتقديم التمويل والدعم للفلسطينيين بعد حل السلطة؟. قد يقول قائل إن منظمة التحرير ستقوم بهذه المهمة ،ونعتقد بأن هذا القول يحتاج لتمحيص فلا نعتقد بأن واقع المنظمة يسمح لها بذلك وخصوصا في ظل حالة الانقسام ووجود كثير من القوى السياسية خارج المنظمة وبعضها لا يعترف بالصفة التمثيلية للمنظمة ،كما أن إسرائيل لن تسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد تخليها عن نهج التسوية والسلام بان تقوم بأي نشاط داخل الأراضي المحتلة.قد يقول قائل إن حل السلطة سيضع الشعب في حالة مواجهة مباشرة مع إسرائيل ،وهذا أمر ممكن بل يجب أن يكون ، ولكن ألا يحتاج هذه الشعب لقيادة عمل وطني تنظم المواجهة مع إسرائيل ؟ وفي حالة الانقسام من سيوجه ويقود النضالات الشعبية في الضفة ؟.
إذن ما هو البديل؟
لا يعني ما سبق أن نتمسك بالسلطة تحت كل الظروف ونسكت على عملية تفريغها من مضمونها الوطني ، ولكن بدلا من توجيه الاهتمام نحو حل السلطة يمكن العمل على تحويل وظيفتها أو إصلاحها لتصبح سلطة وطنية بمعنى الكلمة ،من خلال إعادة النظر بشكل التنسيق الأمني ،محاسبة الفاسدين وذوي المواقف المشبوهة وطنيا وبأثر رجعي وقد باشر الرئيس ذلك أخيرا ،توظيف أموال الدعم الخارجي للسلطة بما يخدم صمود الشعب الفلسطيني ،الاستمرار بالتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية ،تفعيل منظمة التحرير وإعادة بناءها كحركة تحرر وطني ،إنجاز المصالحة بعيدا عن المكابرات السياسية فإن نقدم تنازلات لبعضنا البعض أشرف من تقديمها للعدو،تفعيل المقاومة الشعبية في كل ربوع الوطن ،مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية ،واهم عنصر هو توحيد مرجعيات السلطة بالالتفاف حول الرئيس أبو مازن في تمسكه بالثوابت وعدم الخضوع للشروط الإسرائيلية والأمريكية . بمعنى أن تصبح السلطة جزءا من حركة نهوض وطني شعبي شامل تدخل في مواجهة ساخنة مع إسرائيل وهذا هو جوهر فكرة السلطة الفلسطينية كما وردت في النقاط العشر للبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير عام 1974 الذي تحدث عن سلطة وطنية مقاتلة على أية ارض نحررها أو تعطى لنا،ولتُقدِم إسرائيل أو الدول المانحة على حل السلطة أو خلق سلطة بديلة تابعة لهما ،آنذاك ستتحملان مسؤولية انهيار التسوية والسلام ،خلال عملية تغيير وظيفة السلطة ومع الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية ،نكون قد هيأنا البديل الذي سيملأ فراغ انهيار السلطة. ونعتقد أن كثيرين من داخل السلطة بما فيهم عناصر الأجهزة الأمنية مستعدون ليقوموا بهذا الواجب الوطني إن لمسوا إرادة سياسية تعمل في هذا الاتجاه.
8 كانون الأول 2010
إن كان من المشروع والمبرر التفكير بحل السلطة إلا أن حلها لن يحل أزمة النظام السياسي الفلسطيني ،والبديل هو تغيير وظيفة السلطة وتحريرها من الإملاءات الخارجية.لا غرو أن السلطة الفلسطينية فقدت بريقها الأول وباتت بعض آليات عملها وخصوصا التنسيق الأمني مع الإسرائيليين مبررا لتوجيه النقد والشك حولها بل وحول جدوى وجودها وخصوصا أن إسرائيل لم تقابل إجراءات السلطة الأمنية التي توفر لها ولمستوطناتها الأمن بإجراءات إسرائيلية مقابلة توفر الأمن للفلسطينيين في حياتهم ومعيشتهم وممتلكاتهم وحريتهم في التنقل ،وإذا أُضيف لذلك تعثر مسار التسوية الذي ارتبط وجود السلطة بوجوده بل وصوله لطريق مسدود ،وتحول السلطة لهدف بحد ذاته يبرر القتال الداخلي عليها وحولها ،فإن كل ذلك شكل الأرضية والدافعية للمطالبين بالنظر في مبرر وجود السلطة بل المطالبة بحلها من البعض. ولكن ... هل حل السلطة سُيخرِج النظام السياسي و القضية الوطنية من مأزقهما ؟هل الخلل في الحالة الفلسطينية يكمن فقط في السلطة أم إنه يتجذر في المنظومة السياسية والاجتماعية والثقافية كلها؟ نعتقد أن الخلل لا يكمن فقط بأداء السلطة بل هو خلل بنيوي ووظيفي،والسلطة مظهر من مظاهر هذا الخلل وإفراز متأخر له.اختزال المأزق الوطني بالسلطة قد يصرف الأنظار عن التفكير العقلاني بواقعنا وبالأسباب الحقيقية والإستراتيجية لأزمة ومأزق النظام السياسي الفلسطيني برمته ،وبصرف النظر عن الواقع المأساوي للأحزاب والحركات السياسية ،ويصرف النظر عن واقع مؤسسات مجتمع مدني باتت كالحقن المخدرة للشعب وخصوصا للشباب والمثقفين ،تبعدهم عن ساحة الاشتباك المباشر مع العدو .إن كان لا بد من حل السلطة فهذا يجب أن يكون في إطار توافق وطني على إعادة بناء استراتيجي يشمل السلطة ومنظمة التحرير والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني .
أي حديث جاد عن حل السلطة الفلسطينية يجب أن لا يكون مدفوعا بحسابات حزبية ضيقة وألا يكون ردة فعل انفعالية وعاطفية أو مجرد ورقة ضغط في العملية التفاوضية المتعثرة حيث الخصم يعرف حقيقة أوضاعنا الداخلية ومحدودية قدرة القيادة السياسية على التفرد باتخاذ قرارات مصيرية،ففي ظل واقع الانقسام وتدخل الأجندة الخارجية وتشابكات القضية مع محيطها الإقليمي والدولي يجب دراسة كل خطوة بتأن وحذر .التفكير بحل السلطة مشروع ومبرر ولكن كل توجه عملي في هذا الاتجاه يجب أن يكون مسبوقا بخلق البديل الوطني الذي سيملأ فراغ حل السلطة ،وعليه التعامل مع قضيتين :الأولى إجرائية تتعلق بالجهة ذات الاختصاص بحل السلطة ،والثانية تتعلق بتداعيات حل السلطة أو ما بعد حلها.
أولا :من ناحية إجرائية
صحيح أن تأسيس السلطة كان بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني في دورته المنعقدة من 10-12 /10/1993 أي بعد شهر من توقيع اتفاق إعلان المبادئ ،حيث نص القرار على "تكلف اللجنة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية من عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية وعدد من الداخل والخارج".إذن من ناحية نظرية يمكن القول بان من حق منظمة التحرير التي أسست السلطة أن تصدر قرارا بإلغائها ،إلا أن الواقع سيجعل هذه القراءة ساذجة لعدة أسباب يمكن اختصارها بأن منظمة التحرير التي أقامت السلطة ليست منظمة التحرير اليوم وان السلطة التي قامت عام 1994 ليست هي السلطة اليوم وإن الواقع الفلسطيني والإقليمي والدولي اليوم ليس هو الذي كان عند تأسيس السلطة.كانت منظمة التحرير آنذاك بعافيتها نسبيا وكانت تعتبر مؤسسة المؤسسات الفلسطينية وكانت مرجعية كل القوى والفصائل – ما عدا حماس والجهاد – أما اليوم فقد تراجعت مكانة المنظمة وقدرتها التقريرية لصالح السلطة ، تحولت السلطة اليوم إلى فرانكشتاين أو المخلوق الذي تغلب على خالقه ، تشعبت السلطة وتضخمت مؤسساتيا ومن حيث الصلاحيات والارتباطات الداخلية والخارجية بحيث باتت عصية على الإلغاء بمجرد صدور قرار من المنظمة بحلها،صحيح أن بداية السلطة ارتبط بالتسوية وكان وجودها واستمرارها مرتهن بمسار التسوية الذي كان مفترض أن يُنجز خلال خمس سنين وبالتالي يصبح مشروعا التفكير بحلها بعد وصول التسوية لطريق مسدود بعد إعلان واشنطن رسميا عجزها عن إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان والعودة لطاولة المفاوضات ،ولكن السلطة خرجت عن سياقها الأول ولم يعد وجودها واستمرارها مرتبط بما تأول إليه المفاوضات ،وباتت تقوم بوظائف اجتماعية واقتصادية ترتبط بها حياة قطاع كبير من الشعب ،وبشكل ممنهج ومخطط تم إحراق جسور العودة لما قبل تأسيس السلطة ،الأمر الذي يتطلب جهودا مضنية لتعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل وجود السلطة.العودة لوضع ما قبل وجود السلطة يحتاج لأكثر من قرار بحل السلطة ،يحتاج لاستنهاض الحالة الوطنية والثورية ويتطلب إعادة بناء كثير من العلاقات الداخلية والخارجية التي انقطعت بسبب وجود السلطة ،هذه أمور ليست مستحيلة ولكنها كما قلنا تحتاج لجهود وطنية مشتركة.
يستطيع الرئيس أبو مازن تغيير بعض وزراء الحكومة ولكن من الصعب الجزم بأنه يرغب بالفعل بحل السلطة أو يستطيع حلها بقرار منفرد منه ،يستطيع أن يصدر قرارا بذلك أو يوحى للجنة التنفيذية بإصدار هذا القرار ،ولكن لا ضمانة بأن القرار سيُنَفَذ على الأرض حيث قوى متعددة مستفيدة من وجود السلطة ومعنية باستمرارها ،وإسرائيل ليست الوحيدة في هذه السياق. ولنكن أكثر صراحة ،فإن مرجعية السلطة القائمة اليوم في الضفة ليست منظمة التحرير.السلطة القائمة اليوم أصبحت مؤسسة قائمة بذاتها مدعومة بقوى دولية أكثر مما هي مؤسسة فلسطينية خالصة خاضعة لقرار وطني فلسطيني. أيضا فإن قرارا من الرئيس أو المنظمة بحل السلطة لن ينسحب على السلطة القائمة في غزة و سيقتصر على السلطة في الضفة،حيث السلطة القائمة في غزة لا تعترف بأنها نتاج اتفاقات أوسلو ولا تعترف بأن منظمة التحرير مرجعيتها كما أنها لا تعتمد كليا في تمويلها على الجهات المانحة.إذا ما تم حل السلطة في الضفة دون سلطة غزة فإن السلطة القائمة في غزة ستقدم نفسها بديلا للسلطة الوطنية وستتصرف باعتبارها السلطة الوطنية الوحيدة القائمة على أرض فلسطينية (محررة ) وقد يساعد ذلك على تمرير مخطط الدولة ذات الحدود المؤقتة وتمرير ما كان يهدف إليه شارون من وراء انسحابه من غزة عام 2005.
ثانيا :التداعيات
أمر جيد أن يؤدي حل السلطة لعودة الأمور لوضع شعب خاضع للاحتلال الإسرائيلي وتتحمل إسرائيل كامل مسؤوليتها عن نهجها الاستعماري لأن هذا سيكشف زيف السلام وسيضع إسرائيل وجها لوجه أمام المنتظم الدولي وقراراته الواضحة التي عملت تسوية واشنطن على تجاهلها وأهمها حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره السياسي وقرار عودة اللاجئين وقرار التقسيم وبأن الضفة وغزة أراضي محتلة.ولكن هل حل السلطة سيؤدي لذلك تلقائيا و من سيملأ فراغ غياب السلطة ومؤسساتها؟ قبل حل السلطة يجب التفكير بمن سيحل محلها،ونخشى أن لا تقوم إسرائيل بإعادة احتلال كامل للضفة في هذه المرحلة بل ستلجأ إلى ضم بعض مناطق الضفة وتنصيب أشخاص بدلا من حكومة السلطة ليقوموا بمهام السلطة على ما سيتبقى من الأرض وهي لن تعدم مثل هؤلاء ،وهناك خشية أن تتحول كل مدينة وقرية فلسطينية خارج نطاق السيطرة المباشرة للجيش الإسرائيلي إلى كانتون تسيطر عليه إحدى الجماعات الفلسطينية المسلحة ،وإسرائيل ستعزز مثل هكذا وضع .
أيضا سيطرح موضوع الخدمات التي تقدمها السلطة ومن سيقوم بها ،خصوصا الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية ،هل ستتولاها منظمات دولية؟ أم مؤسسات أهلية ؟أم ستتكلف الأردن بها تمهيدا لدور سياسي قادم؟ وما مصير أكثر من 170 ألف موظف مدني وعسكري غالبيتهم يعتاش من وراء راتب السلطة ؟ وهل ستستمر الدول المانحة بتقديم التمويل والدعم للفلسطينيين بعد حل السلطة؟. قد يقول قائل إن منظمة التحرير ستقوم بهذه المهمة ،ونعتقد بأن هذا القول يحتاج لتمحيص فلا نعتقد بأن واقع المنظمة يسمح لها بذلك وخصوصا في ظل حالة الانقسام ووجود كثير من القوى السياسية خارج المنظمة وبعضها لا يعترف بالصفة التمثيلية للمنظمة ،كما أن إسرائيل لن تسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد تخليها عن نهج التسوية والسلام بان تقوم بأي نشاط داخل الأراضي المحتلة.قد يقول قائل إن حل السلطة سيضع الشعب في حالة مواجهة مباشرة مع إسرائيل ،وهذا أمر ممكن بل يجب أن يكون ، ولكن ألا يحتاج هذه الشعب لقيادة عمل وطني تنظم المواجهة مع إسرائيل ؟ وفي حالة الانقسام من سيوجه ويقود النضالات الشعبية في الضفة ؟.
إذن ما هو البديل؟
لا يعني ما سبق أن نتمسك بالسلطة تحت كل الظروف ونسكت على عملية تفريغها من مضمونها الوطني ، ولكن بدلا من توجيه الاهتمام نحو حل السلطة يمكن العمل على تحويل وظيفتها أو إصلاحها لتصبح سلطة وطنية بمعنى الكلمة ،من خلال إعادة النظر بشكل التنسيق الأمني ،محاسبة الفاسدين وذوي المواقف المشبوهة وطنيا وبأثر رجعي وقد باشر الرئيس ذلك أخيرا ،توظيف أموال الدعم الخارجي للسلطة بما يخدم صمود الشعب الفلسطيني ،الاستمرار بالتمسك بالحقوق والثوابت الوطنية ،تفعيل منظمة التحرير وإعادة بناءها كحركة تحرر وطني ،إنجاز المصالحة بعيدا عن المكابرات السياسية فإن نقدم تنازلات لبعضنا البعض أشرف من تقديمها للعدو،تفعيل المقاومة الشعبية في كل ربوع الوطن ،مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية ،واهم عنصر هو توحيد مرجعيات السلطة بالالتفاف حول الرئيس أبو مازن في تمسكه بالثوابت وعدم الخضوع للشروط الإسرائيلية والأمريكية . بمعنى أن تصبح السلطة جزءا من حركة نهوض وطني شعبي شامل تدخل في مواجهة ساخنة مع إسرائيل وهذا هو جوهر فكرة السلطة الفلسطينية كما وردت في النقاط العشر للبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير عام 1974 الذي تحدث عن سلطة وطنية مقاتلة على أية ارض نحررها أو تعطى لنا،ولتُقدِم إسرائيل أو الدول المانحة على حل السلطة أو خلق سلطة بديلة تابعة لهما ،آنذاك ستتحملان مسؤولية انهيار التسوية والسلام ،خلال عملية تغيير وظيفة السلطة ومع الأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية ،نكون قد هيأنا البديل الذي سيملأ فراغ انهيار السلطة. ونعتقد أن كثيرين من داخل السلطة بما فيهم عناصر الأجهزة الأمنية مستعدون ليقوموا بهذا الواجب الوطني إن لمسوا إرادة سياسية تعمل في هذا الاتجاه.
8 كانون الأول 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق