هل استفاد الإخوان من المقاطعة؟ * ياسر الزعاترة
___________________________________________
بقلم ياسر الزعاترة
في تصريح لافت للشيخ العلامة يوسف القرضاوي نشر قبل أيام ، أوضح الرجل أنه كان يتمنى لو قاطع الإخوان في مصر الانتخابات ، ليس فقط لأن "ما تقوم به الدولة من مواقف وإجراءات يؤكد أنها مصممة على ألا تسمح لأي قوة سياسية في البلد أن تأخذ إلا الفتات" ، بل أيضا لأنه كانت للإخوان في المجلس الحالي أقلية كبيرة ، "ولكن لم تمكنهم أغلبية الحزب الوطني من إنجاز أمر ذي بال".
ذكرتنا كلمات الشيخ بالجدل الذي دار ها هنا بخصوص مقاطعة الإخوان للانتخابات ، وحيث صار بوسع المراقب إعطاء رأي نسبي حول ما جرى ، وما إذا كانت المقاطعة خير للجماعة أم المشاركة (ينطبق ذلك على المشاركة في مصر بعد شطب الجماعة من مجلس الشعب).
من متابعة حثيثة لرأي قواعد الإخوان ، إلى جانب الآراء الشعبية في المناطق التي عادة ما تتركز فيها قواعدهم أكثر من سواها ، فإن بوسعنا القول إن مشاركة الجماعة في الانتخابات لم تكن لتغير كثيرا في نسبة التصويت ، ما يعني أن الحصيلة لن تتعدى كثيرا حسبة العشرة مقاعد ، أي أقل من "كوتا" النساء في المجلس ، وهي نسبة لن تؤثر كثيرا في مسار المجلس حتى لو كان الفائزون من اللون الجيد القادر على توصيل الفكرة.
هل كان بوسع أحد أن يتوقع نتيجة مثل نتيجة الإخوان المصريين في المجلس المنحل (عشرين في المئة)؟ الأكيد لا ، لكن النسبة الكبيرة إياها ، ومعها وجود رموز أفضل من الذين يتوفرون هنا في الساحة الإخوانية من زاوية الكفاءة ، لم يغير كثيرا في النتيجة ، وظلت الكتلة النيابية عاجزة عن طرح بعض المواضيع الحساسة على جدول النقاش ، مجرد طرح ، كما كان الحال فيما خص صفقة الغاز مع الدولة العبرية ، أو حصار غزة ، بل حتى قضايا أخرى أقل أهمية. والخلاصة أن تأثير الكتلة النيابية على القرار والتشريع والتوجه السياسي والاقتصادي الداخلي (فضلا عن الخارجي) كان محدودا على نحو لا يماري فيه عاقل.
ربما قيل إن المشاركة في الانتخابات بالنسبة لإخوان مصر هي فرصة للحصول على بعض الشرعية ، وهي كذلك مناسبة للتواصل مع الناس أثناء الحملة ، وهو أمر صحيح إلى حد كبير ، لكن هذه المعادلة لا تنطبق على الكثير من الدوائر الإخوانية الأخرى التي تتمتع ببعض الشرعية ، ويمكنها تبعا لذلك التواصل مع الناس بطرق شتى ومن دون انتخابات ، وعموما كان ينبغي الموازنة بين البعد المشار إليه ، وبين منح الشرعية لانتخابات معروفة الوجهة والنتائج.
والحال أن تكرار التجارب الفاشلة في هذا السياق ، سيفضّ الناس من حول هذه اللعبة (نسبة التصوبت المتدنية دليل على ذلك) ، وربما الجماعة بعد ذلك ، وهو ما جرى عمليا في عدد من الدول العربية التي انحسرت فيها الحماسة الانتخابية ، وتبعا لذلك نتائج الإخوان ، الأمر الذي فسره البعض بفشل تجارب "الإسلام السياسي" رغم أنه ليس كذلك في واقع الحال ، أقله في البداية ، لكن الإصرار على المسارات الخاطئة قد يؤدي إلى النتيجة المذكورة بمرور الوقت.
في ضوء هذا الحال يمكن القول إن الإخوان هنا قد استفادوا من المقاطعة ، أولا من زاوية الانسجام مع رأي قواعدهم ، وعودة ثقة القواعد بالقيادة ، فضلا عن بعض التماسك الداخلي الذي نتج عن القرار ، كما استعادوا ثقة جماهيرهم حين انسجموا مع توجهها بالمقاطعة أيضا ، وخرجوا من تهمة الدوران في فلك القرار الرسمي.
أما الخسارة التي يتحدث عنها البعض ، فهي موجودة ، لكنها أقل من الأرباح ، لا سيما أن حضور البرلمان في الوعي الشعبي سيأخذ في التراجع تبعا لعدم قدرته على تقديم شيء ذي بال للمواطن في حياته وهمومه.
لقد كان حديث مقاطعة الإخوان كموقف سياسي هو الأكثر حضورا في المعركة الانتخابية من الانتخابات ذاتها عند كثير من الناس وفي وسائل الإعلام ، وإذا قيل إن نسبة المشاركة كانت كبيرة ، وصدقنا ذلك دون أخذ ملاحظات المشككين في الاعتبار ، فإن للأمر صلة بالقانون ونائب العشيرة الذي غلب على المعركة ، أي أن دافع المشاركة عند كثيرين لم يكن الهم الوطني رغم وجوده ، بل الهم الشخصي أو النزعة الفئوية.
خلاصة القول هي أن الإخوان قد ربحوا من المقاطعة ولم يخسروا ، وتبقى قدرتهم هنا وفي كل العالم العربي على صياغة فعل سياسي وشعبي يعزز حضورهم الشعبي ، ويتجاوز عثرات المرحلة الماضية ، في ذات الوقت الذي يضغط في اتجاه بناء ديمقراطية وتعددية حقيقية تعبر عن موقف الناس وهمومهم في سائر المجالات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق